top of page
صورة الكاتبداليا محمد

هشام سليم .. رحيل الابن الضال

كلما كنت أراه على الشاشة أتذكر زمن الفن الجميل، كان الذكرى الوحيدة الباقية من زمن الفن الراقي والأعمال الهادفة، كان ابناً لفنان علمه كيف يكون الفن الحقيقي، وكيف يحترم جمهوره ويحترم عقولهم.


أصر أن يبقى الفنان صاحب الرسالة، فلم يشترك ابداً في عمل مخل ولم يقدم ابداً فناً هابطاً، ولم يتنازل من أجل المال، حافظ على كونه ابن الفنان الذي ظن في نفسه لا يستطيع العطاء في التمثيل ليتخلى عنه، ويبقى كما هو لاعب الكرة وفقط.



فقد الفن المصري آخر من كان راقياً وآخر من كان يحترم عمله ويحترم جمهوره، لن ننسى عادل البدري في "ليالي الحلمية" وعادل مكي في "حرب الجواسيس" ومستر بيكر في "أماكن في القلب" وبدوي أو عامر في "ظل المحارب" ومحسن الشاذلي في "هوانم جاردن سيتي"، أو الصحفي محمود كامل في "الخيانة" والشرير الفاسد أكرم ذهني في "محمود المصري".

و من ينسى الطبيب راهب الأسعد في فيلم "٤٥ يوم" والمحقق مجدي في "خيانة مشروعة" والطبيب هشام في "أنت عمري"، أدوار وشخصيات لم تكن مجرد أدوار وشخصيات، بل أنها علامات بارزة في تاريخ الفن وشخوص تنبض بالحياة وستظل عالقة في اذهاننا إلى الأبد، لأن من جسدها هو الابن الضال هشام سليم.


رحل آخر من كان شجاعاً وآخر من كان متحفظاً في فنه و يعرف جيداً أن الشهرة ليست بعدد الأدوار، وليست بمساحة الأدوار وليست بتصدر التريندات بتصريحات غريبة وليست باثارة الجدل بتصرفات هابطة وليست حماقة يرتكبها الفنان ليصبح حديث الجميع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فلم يتورط ابداً في أي ترندات سيئة و حافظ على سمعته كفنان بتقديم أعمالاً تستحق المشاهدة و إن كان سيشارك بمشاهد قليلة، حيث اكتفى في فترة حياته الأخيرة بالانعزال عن العالم واغلق على نفسه وابتعد عن الاضواء ، بل ورفض العلاج ليموت في سلام ويخصص وقته الأخير للعبادة والتأمل في الكون قبل أن يرحل عنه، فلم يتاجر بمرضه ولم يطلب علاجاً على نفقة الدولة ليوفر الفرصة لغيره من المحتاجين حقاً.

اختار أن يرحل وهو يصارع بشجاعة، لم يخسر معركته، كان قد استبق المرض، وأعلن فوزه مراراً في كل تلك الأعمال التي ستتناثر على الشاشات ما حيينا، مؤكدة أن الروح تبقى، والمعنى يتعزز، حين يكون الفنان عاشقاً حقيقياً لفنه، تتلبسه روح مختلفة، يعايش فيها زمناً فنياً مختلفاً.


حين نفقد فناناً حقيقياً حتى لو لم نعرفه يوما سوى على الشاشة فإننا نشعر أننا فقدنا عزيزاً، لكن الفرق مع فنان موهوب أنه ترك لنا إرثاً فنياً ستختزنه ذكرياتنا، كلما أردنا نفض الغبار عن حالات تعترينا، نلجأ إلى رفوف فنية لنعي أن الأعمال التي حاكتها قلوب وأحاسيس مبدعين راحلين، منظمة تلقائياً في مكتبة ذكرياتنا الخاصة نحتفظ بها في ركن لا يدخله سوى من كان جديراً بالبقاء.


رحل فتى أحلام الفتيات والسيدات، رحل آخر الرجال المحترمين في زمن قل فيه هؤلاء.

١٠ مشاهدات٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل

Comments


bottom of page