top of page

مسلسل "بدون سابق انذار" (٢٠٢٤)

انتهى دون سابق انذار


من المسلسلات التي كانت تبدو واعدة منذ طرح اعلانها الرسمي الاول هو مسلسلنا اليوم. من بطولة آسر ياسين، عائشة بن أحمد، وأحمد خالد صالح. حيث شهد المسلسل تقديم موضوع شائك، وغير معتاد تقديمه بالدراما المصرية، ورغم ما حملته الحلقة الأولى من أحداث مثيرة ومشوقة ومكدسة، انتهت القصة سريعاً بمجرد عرض الحلقة الثانية ولم يبق سوى حل لغز تبديل الأطفال وسؤال كيف ومن فعل ذلك؟ وحتى يستكمل المسلسل حكايته، اضطر للدخول في أكثر من خط درامي ليس لهم أي علاقة بالخط الرئيسي، رغم أن مسلسلات الاثارة والتشويق والبحث عن حل للغز ما، لابد وأن تتقاطع كل الخطوط الدرامية في خط درامي واحد، وأن تلتقي في نقطة ما، ولكن أن تتفرع كل هذه التفريعات دون معرفة حتى كيفية تقديم خاتمة منطقية لها، أو دون عرض نهاية للخط الدرامي من الأساس !!



فبعد عرض الثلاث حلقات الاولى وقع سريعاً في هوة التمطيط .. فالحكاية لم تكن تحتاج إلى كل هذا التفرع والحشو والأحداث التي وضعت لأجل الوصول إلى ١٥ حلقة.. فما تستطيع ان تقوله بكلمة.. لا تقوله بأكثر من كلمة.. وما يستحق خمس حلقات لا تحوله إلى ١٥ حلقة.

ثم يأتي الفتور في السرد الخطي البارد في شخصيات فرعية وتناص في الكادرات والمشاهد والقصة بين مسلسل بدون سابق انذار وبين اعمال أخرى تناولت نفس الموضوع من قبل، كما أن تناوب ثلاثة كُتاب على كتابة الحلقات، ربما كان هذا ما اضعف السيناريو وجعل الشخصيات مذبذبة مثل شخصية نهى التي تظهر في حلقة جشعة وانانية وخائنة لزوجها وفي حلقة أخرى تظهر ضعيفة ومكسورة، وكل ما تريده في الحياة هو تأمين مستقبل ابنائها.


ومن الواضح في الدراما المصرية هذا العام أن الصناع يتحاشون تماماً الاحتكاك بالقضاء في القضايا الانسانية والشائكة، فما حدث في مسلسل صلة رحم حدث تماماً في مسلسل بدون سابق انذار، فرغم أن الموضوع كان يحتاج إلى المناقشة القضائية ومن الطبيعي أن تتصارع الأمهات على الطفلين، والطبيعي أن يطلب العم الأكبر لعائلة مروان تغيير نسب الأطفال من أجل الورث كما ذكر، وكذلك الأمر ذاته مع عائلة زوج الأم الثانية التي توفى زوجها قبل ولادة الطفل واضطرت الجدة لتبديله بطفل آخر لضمان الميراث بعد أن توفى أربع ابناء من قبل لابنتها، فشيء أكثر من طبيعي ان تُقام حرب قضائية من أجل الطفلين، ومن أجل تبديل الأسماء وصراع نفسي يدور بين الأطفال انفسهم، ولكن تجاهل المسلسل كل هذا وتم حل النزاع في أقل من دقيقة، وتُركت كل الخطوط الدرامية مفتوحة بلا أي اجوبة نهائية واكتفى صناع المسلسل بان الاسرتين تفهموا الأمر وتقبلوه وعاشوا جميعاً بالقرب من بعضهم بدون اظهار وجود أي مشاكل في التعايش مع هذا الوضع.


بالنسبة للاخراج لم يكن متميزاً بالقدر الكافي، رغم تميز المخرج هاني خليفة ولكنه وقع فيما يقع فيه مخرجين هذه المرحلة وهو بالنسبة لي ما كان ليقع فيه بمهنيته وخبرته لولا الأستعجال ومساعد مخرج ومونتير لم يقوموا بمراجعة الحلقات، ففي الحلقة التاسعة وحوار بين "عائشة بن احمد ونورا شعيشع" عن نشر حكاية ابنهم على الفيس بوك على صفحة المفقودين، قام هاني خليفة بعمل لقطة "كلوز" على الموبايل ليتضح انها صفحة تضم "خمسة اعضاء"، وهذا بالنسبة لي أمر هزلي بكل المقاييس! الهروب منه بسيط بأن يبعد الكاميرا أو يتسعين بخدعة "جرافيك" أو يشكل صفحة من فريق العمل باكونتات مزيفة ليحصل على عدد متابعين كبير ثم يغلق الصحفة بعد انتهاء عرض المشهد، في حالة اتقانه الشديد للعمل.


هذا فضلاً عن الأخطاء الطبية الفادحة بالمسلسل بالرغم من تصوير اغلب حلقات العمل في واحدة من أكبر مستشفيات القاهرة، إلا أن فريق العمل لم يستعن بطبيب واحد في علم أمراض الدم للافادة في المعلومات الطبية، واكتفى بخياله ومعلومات الانترنت، وكان اكثرها غرابة تحليل الحمض النووي الذي تظهر نتيجته في نفس اليوم.


أما عن الأداء فحدث ولا حرج عن تماثيل الشمع أو العرائس المتحركة بالخيوط "الماريونيت" التي شاهدناها طوال حلقات العمل، حيث يليق بها وصف "شمع فاخر من الآخر" كما هو منتشر عبر مواقع السوشيال ميديا ، فلم نرى أي رد فعل من المفترض أن يحدث بعد كم الأحداث الهائل التي تهد جبل و لكنها لم تحرك ساكناً ولا رمشاً لآسر ياسين و عائشة بن أحمد، حتى افضل الأداءات والتي قدمتها مريم الخشت في الحلقة الاخيرة لم تكن كافية بقدر الصدمة التي تلقتها أم في ابنها والذي تكتشف أنه ليس ابنها.

أن يكون لديك فكرة جيدة شيء جميل و لكنه ليس كافياً لصناعة عمل درامي، فالأهم أن تعرف كيف تكتبها بسيناريو يعج بالتصاعد الدرامي وأن تستغل كل حل ممكن في القضية المطروحة وأن تطرق كل الأبواب وتسلك كل الطرق المؤدية للنهاية وتستنفذ كل المشاعر التي يحتملها الموقف وتتابين ردود الأفعال بين شخص وآخر وتتفاوت حيلهم وقدراتهم على حل المعضلة الانسانية المطروحة بين شخص واسع الحيلة وغيره قليل الحيلة وغيره متحايل على الأمور والقانون وآخر لا يخالف القانون وهكذا، لتتقلب الأحداث وتتغير طوال الوقت ويشتد الصراع وتتأزم العقدة حتى تنفرج بالتدريج وليس فجأة كما حدث، كي لا تصاب بشلل بعد عدة حلقات وتلجأ "للت والعجن" واللف في دوائر من الحشو والكلام المكرر والمعاد والتفرع لأحداث وشخصيات مبتورة لمجرد ان تملأ فراغ.


سيناريو المسلسل اعتمد على فكرة، لكن سقط سقوط كبير في كتابتها وتنفيذها والأخراج للأسف سلك نفس طريق السيناريو في الحشو الغير مبرر ولقطات ومونتاج مليء بمشاهد لا داعي لها وحكاية لم تستحق أكثر من فيلم قصير مدته ربع ساعة. السيناريو هو الأرض الصلبة التي تُبنى عليها الدراما. والاخراج هو الأدوار التي تُكمل المبنى.


بدون سابق انذار مسلسل انهار قبل الوصول لمنتصف حلقاته وتحول لحالة من اللت والعجن وانقاض لفكرة، مجرد فكرة أصابتها سكتة دماغية وموت اكلينيكي دون سابق انذار.


تقييم الناقدة ★★


٥ مشاهدات٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل

Comments


bottom of page