اعتمدت معظم الأعمال السينمائية الهوليوودية منذ البداية على الرجل كشخصية رئيسية تدور حولها اللأحداث و على المرأة كشخصية ليست بالشرط "ثانوية"، إنما "ساندة". فنجدها الصديقة، الزوجة، الحبيبة، الشريكة بالمغامرة، .. الخ. لكنها كانت موجودة و بقوة، بعمق و تفصيل مدروس. و وجودها ضروري لدرجة توقّف عليه نجاح الفلم على شبّاك التذاكِر.
ربما نجدها ضمن "قالب" معين يتحدد من خلاله مدى الأدوار التي تؤديها الممثلة، مع ذلك نجد ادائاتٍ ضمن هذا القالب تسطع كالشمس و تُحفر بالذاكرة الى يومنا هذا.
على سبيل المثال لا الحصر:
ڤيڤيان ليي بدور سكارليت أوهارا بفلم Gone with the Wind (١٩٣٩)
إنگريد بيرگمان بدور إيلسا لوند بفلم Casablanca (١٩٤٢)
ماريلِن مونرو بدور شُگر بفلم Some Like It Hot (١٩٥٩)
أودري هيپبُرن بدور هاللي گولايتللي بفلم Breakfast at Tiffany's (١٩٦١)
و
إليزابيث تَيلُر بدور كليوپاترا بفلم Cleopatra (١٩٦٣)
شهدت الستينات و السبعينات اتساعاً لمدى الأدوار الكبيرة للنساء بالأعمال السينمائية الهوليوودية، و هذه تطورت الى زيادة بالأعمال التي تعتمد تماماً على العنصر النسوي خلال الثمانينات و التسعينات.
محدودة نعم، لكن بإنفتاح واضح متزّن ، شهدنا من خلاله روائع لا تنسى. بالحقيقة، لا أتذكّر عاماً مضى ضمن هذين العقدين إلّا و شهدنا به دوراً نسوياً مذهلا.
منها على سبيل المثال لا الحصر:
جيسيكا لانگ بدور فرانسيس فارمِر بفلم Frances (١٩٨٢)
ميريل سترييپ بدور سوفي بفلم Sophie's Choice (١٩٨٢)
شيرلي ماكلَين بدور أورورا بفلم Terms of Endearment (١٩٨٣)
سيگورني وييڤر بدور ريپللي بفلم Aliens (١٩٨٦)
و حتى بأفلام الكارتون، كفلم Mulan (١٩٩٨)
الى هذه المرحلة، دعمت هوليوود (ولو ببطئ و بمحدودية) إنتاج مشاريع بدور نسائي مدهش -و- من خلال تكريم بطلات هذه الأفلام بأرفع الجوائز الفنية تقديراً لجهودهن و كفائتهن من كافة الأعراق، الأعمار، و الجنسيات.
منها على سبيل المثال لا الحصر:
أوسكار أفضل ممثلة مساعدة هاتي مكدانييلل عن فلم Gone with the Wind (١٩٣٩)
أوسكار أفضل ممثلة مساعدة ميوشي أوميكي عن فلم Sayonara (١٩٥٧)
أوسكار أفضل ممثلة ماگي سمِث عن فلم The Prime of Miss Jean Brodie (١٩٦٩)
أوسكار أفضل ممثلة مساعدة تَيتام أونييلل عن فلم Paper Moon (١٩٧٣)
نعم، لم يكن هناك مساواة بعدد أدوار البطولة بين الرجال و النساء (الرجال بأغلبية ساحقة)، ولا مساواة بالأجور التي يتقاضها الممثل و الممثلة (أجر الرجل أعلى). لكن الوجود النسوي بأدوار ممتازة موجود، ولا يمكن تجاهله أو غض النظر عنه.
ببداية القرن الواحد و العشرين بدأت مؤشرات تغيير بسياسة هوليوود. هذه تمثلّت بتكثيف و زيادة عدد الأفلام التي تعتمد العنصر الأُنثوي كشخصية رئيسية بالفلم، بشكل اعتمد الكم لكن ليس بالضرورة المستوى. و كأنها كانت زيادة و السلام.
ربما كان تغيير لأجل التغيير، ربما لفتح مجال جديد لترغيب المشاهد و بالتالي للإستثمار السينمائي الناجح، و ربما لزيادة الأصوات التي كانت تطالب بذلك.
منها على سبيل المثال لا الحصر:
أفلام Tomb Raider
أفلام Charlie's Angels
أفلام Underworld
فلم Atomic Blonde
فلم Colombiana
فلم Black Widow (٢٠٢١)
احسست شخصياً بأن افلام الدور النسوي العظيم قد قلّت و بدأت افلام الدور المتوسط الى الضحل تأخذ مكانها.
ثم تطوّرَت بمرور الأعوام الى تبديل شخصيّات رجالية الى شخصيّات نسائية. فكان هناك مقترح إستبدال جَيمس بوند الى جَين بوند، فلم Ghostbusters: Answer the Call، فلم Ocean's 8، .. و غيرها
.. و .. لاحقاً بدأ انتاج أعمال بالكاد يمكن ملاحظة وجود ذكور بها و خصوصاً بأفلام الأطفال. كفلم Encanto، فلم Rava، و فلم Turning Red
نعم هناك أفلام بعنصر أنثويّ فنيّ متميز بالعشرين عاماً الماضية، لكن أعدادها تتضائل، و مستواها ينخفض.
بدأت اشعر و بشدّة تحوّل سياسة التغيير الى سياسة إقحام لا أجد لها سبب.
مرّت علَيَّ الكثير من المواضيع التي تؤيد هذه المتغيرات الأخيرة بداعِ المساواة. أتفق تماماً مع موضوع مساواة الأجور بين الذكور و الإناث، لكني لا أجد أي منطق لتبديل شخصية رجل بشخصية إمرأة ولا عقلانية بمحي شبه تام لشخصية الذكور بعدة أفلام أنتِجَت مؤخراً.
ما اشهده اليوم بمنتجات هوليوود هو مبالغة لدرجة التطرّف. و كل تطرّف يؤدي للخسارة.
مبالغة يمكن تلافيها ..
بإنتاج اعمال ذات ادوار نسائية قوية كما حصل بالقرن العشرين، و يمكن جدا زيادة عددها مع المحافظة على مستواها الفنّي.
بإنتاج أعمال بشخصيّات نسائية اصلية دون اللجوء لإحتلال شخصيّات رجالية سابقة. التاريخ و الأدب يزخران بقصص و شخصيّات نسائية مثيرة، مشوّقة، و خالدة يمكن إعتمادها.
بإنتاج أعمال ببطولة نسائية مطلقة (((بوجود))) ذكوري متزن.
هكذا، برأيي غير المتواضع، يمكن تلافي: تعجيلاً إنحداري تجاه الإفلاس بالموضوعية، الإبتعاد عن الواقعية، و ضحالة المستوى الفنّي.
Comments