top of page

المسلسل التركي حُطام (٢٠٢٠)

دراما عميقة مؤججة للمشاعر مكدسة بالرسائل


هذا المسلسل اعتبره من أفضل ما قدمت الدراما التركية على شاشاتها، فرغم اقتباس فكرة المسلسل من عمل كوري في الأصل ورغم اعادة تقديم الفكرة بأكثر من لغة وفي أكثر من دولة، إلا أن النسخة التركية كانت هي الأعمق والاصدق من حيث العرض والطرح الدقيق لقضية شائكة.


عن ماذا يتحدث مسلسل حُطام؟ هل عن تبديل طفلتين، كلاً منهن عاشت ظروف مختلفة عن الآخرى؟ أم تساؤل عن من هم الأب والأم الحقيقيين هل من أنجبوا أم من ربوا؟ وهل كل من أنجب يستحق لقب أب أو أم؟

السؤال الأهم الذي دارت حوله أغلب أحداث المسلسل، هل اخلاق وسلوك الابن والابنة يكونا سبباً في تعلق الأب والأم بهما أو النفور منهما؟ حين يقف الأم والأب في موقف اختيار بين الابن الذي تربى في كنفهم منذ نعومة أظافره والابن الذي اكتشفوا وجوده متأخراً ... أيهما سيختار؟ وفي أيهم سيثق هل في الابن الذي يعرفه عن ظهر قلب أم في الابن الذي لا يعرف عنه أبسط الأشياء؟ من هم الابناء الاكثر حظاً هل من تربوا في كنف أسرة ثرية أو من تربوا في كنف أم حنونة ذاقت المر من أجل تربيتهما؟ هل الحرمان من حنان الأب يمكن أن يدمر الانسان ويسحقه ويجعله حطُاماً أم أن حنان الأم قد يكفي ليجعل من الانسان سوياً بلا عقد أو اضرابات نفسية ؟


إنها دراما طرحت كل هذه القضايا من خلال قصة واحدة، اختبرت كل مشاعر الأمومة والأبوة من خلال عدد كبير من الأمثلة للأباء والأمهات والأبناء والبنات في محاولة لاستعراض القضية بمنتهى التفصيل والدقة وشرح وافي لكل ما يدور في عقول الأباء والأبناء.


باختصار شديد تتلخص قصة المسلسل الطويلة المثيرة للعواطف والمؤججة للمشاعر في خطأ خطير حدث في المشفى التي وُلِدت فيها بنتان في اليوم نفسه والساعة نفسها، وتقضي المصادفة أن لقبي عائلتيهما متشابهانِ حدَّ التطابق؛ فلقب عائلة البنت الأولى "جانسو" هو "جولبينار" ولقب عائلة البنت الثانية "هازال" هو "جوربينار" فتقوم الممرضة -مخطئةً- بتبديل البنتين بسبب هذا التشابه لتمنح عائلة "جوربينار" المولودة جانسو، وتعطي عائلة "جولبينار" المولودة "هازال".


يتطلب اكتشاف هذا السر مرور خمس عشرة سنة حتى يتم إخبار كل عائلة أنها ربت بنت الأخرى؛ عائلة "جولبينار" تعاني التشتت والظروف المعيشية القاسية، بعد أن تخلى عنها الأب الأناني المستهتر وهاجر إلى ألمانيا هرباً من المافيا التي تطالبه بتسديد ديونه المتراكمة بالفائدة، الديون التي ستسدّدها الأم الشابة "جوليسران" عن طريق العمل لساعات طويلة كل يوم تاركة ابنتها "هازال" بمفردها أغلب الأوقات، ما سيؤثر على شخصيتها سلبًا حتى أصبحت تعاني من اضطرابات نفسية تدفعها لارتكاب حماقات كثيرة.


أما عائلة "جوربينار" فهي إحدى أغنى العائلات الاسطنبولية وتنتمي للطبقة المخملية الثرية جداً، بأب مثالي "جيهان" وأم كذلك "ديلار" بالنسبة لابنيهما "أوزان" و"جانسو".

بسبب خطأ الممرضة إذاً، تنقلب حياة العائلتين جذرياً ويصبح مصيرهما مرتبطاً إلى الأبد رغم أنهما عائلتان تنتميان لعالمين منفصلين، وهي القضية التي أثارت فضول وشغف المشاهدين وشدّتهم لمتابعة المسلسل ليعرفوا كيف ستتعامل الأسرتان مع هذا المستجد الطارئ.



صدق لا متناهي وأداء متميز ومبهر من الجميع حتى من الوجوه الصاعدة التي أبدع كلاً منهم في شخصيته رغم أن جميعهم كانت هذه هي المرة الاولى لهم على الشاشات، فكان الجميع عبارة عن كتلة احساس، وكانت من أبرز الشخصيات هي شخصية هازال التي جسدتها الفنانة الينا بوز والتي أجادت دور الشر ببراعة فائقة على مدار ٧٠ حلقة من بين ٩٧ حلقة.


الحبكة الدرامية المميزة على مدار الثلاث أجزاء متواصلة، حتى بعد خروج البطلة نورغول يشيلتشاي وانسحابها من العمل في الحلقة ٥٢ بعد خلافات حدثت بينها وبين بطل العمل، لكن ظل المسلسل محافظاً على مستواه لدرجة أن البعض أكد ارتفاع جودة المسلسل بعد خروجها و زيادة الاثارة و التشويق، كما كانت الموسيقى التصويرية من أكثر عناصر القوة في العمل.

من عناصر القوة أيضاً كتابة الشخصيات بعمق وابراز كل دوافع و مبررات الشخصيات لدرجة تجعلك متعاطفاً مع الجميع حتى مع الاكثر شراً بينهم، فالشخصيات كانت من لحم ودم لها دوافع ومبررات قوية، فالجميع بشر يخطيء ويصيب، فنحن لسنا ملائكة ولسنا شياطين.


لكن المسلسل فقد الكثير من بريقه في حلقاته السبعة الأخيرة، حيث كانت آخر حلقة جيدة منه هي الحلقة الـ٩١ ، و بعد ذلك بدأت قصة المسلسل في الانهيار، وكأن الكاتبة من كثرة الأحداث والمصائب والكوارث فقدت قدرتها على استكمال ما بدأته من خطوط درامية، و كانت الحلقة الأخيرة الاكثر ضعفاً بين جميع حلقات المسلسل، حيث كان ينقصها الكثير من الأحداث، ولم تكن أبداً على مستوى باقي حلقات العمل، حيث كانت الحلقات الأخيرة من الموسمين الأول والثاني أكثر قوة من الحلقة الأخيرة للمسلسل بالموسم الثالث، فكانت فارغة بشكل لا يصدق وكانت هناك عدة مشاهد لم يكن لها أي مبرر درامي، ربما أرادت الكاتبة توصيل رسالة محددة من العمل وهي أن مصلحة الابناء اهم من سعادتنا ، ولابد أن نحافظ على تماسك الاسرة حتى على حساب مشاعرنا، وهي بالطبع رسالة اسرية وعائلية يحاول بها المسلسل القضاء على التفكك الاسري الذي يصبح بمثابة حُطام لأي عائلة.

حاولت الكاتبة انهاء المسلسل بخاتمة سعيدة، إلا أن النهاية السعيدة لم تكن موفقة بشكل كبير.


من رسائل المسلسل العظيمة هي طرح نموذج الاب المثالي الذي يجب أن يكون قدوة لكل الاباء في العالم، حيث اهتمت حلقات المسلسل باستعراض صورة للأب الحنون العطوف الذي لا يتخلى عن ابنائه مهما فعلوا والذي لا يمكن لأي شيء أن يختبر ابوته، فابنائه لديه هم روحه ونور عينه لا يضاهيهم أي شيء ولا يستبدلهم بأي شيء.

الممثل الرائع الأنيق "إركان بيتيكايا" في المسلسل لم يكن أبًا فقط، بل كان أيضاً سنداً لعائلته كلّها ومعلما حكيماً لأولاده في العديد من المشاهد، رغم أن أباهُ هو نفسه ليس أبًا جيداً، فليس كل الآباء يطمحون لأن يكونوا آباء مثاليين، لكن ما أحوج العالَم والأطفال والأبناء لآباء كهذا الأب الفريد الذي يستحق بالفعل كلمة «أبي».


اخيراً هذا ما ينبغي للدراما الهادفة ان تقوم به، وهو بالظبط ما فعله صُناع هذا المسلسل إذ قدموا شخصية الأب المثالي كما ينبغي، ليكون قدوة لكل من شاهدوه، ويعلمهم كيف يكون الأب الحقيقي الذي يستغنى به الأبناء عن العالم أجمع، لذلك سيبقى هذا المسلسل من العلامات الفارقة حقاً في الدراما التركية، عمل فني متكامل بمثابة درساً للأسر في تربية الابناء واحتوائهم.


رغم ضعف الحلقة الاخيرة إلا أنه لا يمكننا أن ننكر كم الاستمتاع والتأثر الذي سيحدث لك كمشاهد أثناء متابعة هذا المسلسل وأن تعاطفك مع كل الشخصيات سيجعلك في حيرة من أمرك بحق، فالجميع محق والجميع معذور، والجميع يتألم و الجميع يعاني، شخصيات نابضة بالحياة تجعلك تشاطرهم الألم وتشاركهم الفرح، ومن أجل ذلك صُنعت الدراما، كي يتفاعل معها المشاهد ويشعر أن فرداً من العائلة التي يتابعها حياتها يوماً بعد يوم بغض النظر عن النهاية.


يقول ليف تولستوي: "انها العائلة إما أن تصنع انساناً أو كومة عقد"، ولكن من وجهة نظري أن الحب هو الذي يصنع انساناً بينما الحرمان هو الذي يجعلك كومة عقد، قد يحبك من رباك أكثر ممن أنجبك، فالعائلة ليست رابط الدم، بل هي رابط الروح.


تقييم الناقدة ★★★★

٩ مشاهدات٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل

Comments


bottom of page