top of page

صفعات بالأوسكارات

تعد صناعة السينما صناعة "ترفيهية" الغرض منها هو .. الترفيه. إستعراض ما يُبهج و يمتّع المُشاهد. لكونها اصبحت صناعة يصل مدى تأثيرها المليارات من البشر حول الكوكب، و للمبالغ الهائلة التي تخصص لميزانيتها و المبالغ الأكثر هولاً التي تستحصلها على شبّاك التذاكر، و الأمور المتعلّقة بها من نجوم و اخبار و مهرجانات و احتفالات و دعاية و إعلان .. اضحت المناسبات التي تقدّمها و تكرّمها رمزاً لإحترام الصنعة و مَن يتخذون منها و من متعلقاتها حرفة.


الأوسكار هو أحد اشهر تلك المناسبات، إن لم يكن أشهرها على الإطلاق.


يتضمن الحفل تكريم الأعمال الفنية المتميزة و كل من أرتبط بها إبتداءً من هندسة الصوت، مروراً بالمكياج، الديكور، الممثل المساعد، الممثلة، .. حتى الإنتهاء بأفضل فلم.

و يتضمّن ايضاً اغاني و استعراضات و نجوم و نجمات يقدّمون الجوائز .. و .. نكات و طُرَف تقدّم بشكل تم التدريب له مسبقاً أو إرتجالاً بناءً على الموقف، بشكل تعليق، سرد، أو حتى مونولوگ يستمر لبضعة دقائق.


كحال أي نكتة و أي طُرفة، يتراوح مجال موضوعها بين البسيط الى الرمزي ثم إلى المباشر. يعتمد تقبّل النكتة عند المشاهدين على مدى تحسسهم للموضوع. هناك مُزح بعيدة عن تسبب أي حساسية، هناك طُرَف تتعامل مع مواضيع شديدة الحساسية، و هناك ما هو بالوسط.


قبل أن نخوض بالتفاصيل، أود أن اشير لأمر بسيط لكن مهم.

عندما تذهب لسوق السمك، تتوقّع وجود رائحة السمك.

عندما تذهب لحلبة الملاكة، تتوقّع وجود أذى.

عندما تذهب لحفل معروف بتواجد مقدّم او مقدّمين كوميديين، تتوقع وجود نكات و طُرَف و مُزَح .. ليست بشرط أن تكون حسب مزاجك أو حسب درجة حساسيتك.


الذي حصل بتلك الليلة هو أن وِل سمِث قد ذهب للحفل مصطحباً زوجته جَيدا سمِث. حضرت زوجته الحفل بشعر قصير جداً قريب من الصفر.

اثناء الحفل كان هناك العديد من المقدّمين الكوميديين، الذين استعرضوا قابلياتهم بالعديد من النكات و الطُرَف. من ضمنهم كان كرِس روك المعروف بطابع كوميدي خاص يجمع بين الصراحة و الهزل.

من ضمن المُزَح التي استعرضها روك كانت واحدة شبّه بها جيدا سمِث بشخصية جي آي جَين التي تتمثّل بإمرأة حليقة الرأس أدت دورها ديمي موور عام ١٩٩٧.


كان واضحاً بأن وِل سمِث و زوجته لم يتقبّلا المزحة و كانت قد ضربت وتراً حساساً لديهما لمعاناة جَيدا من مرض تساقط الشعر.

نهض وِل، اتجه نحو كرِس، و صفعه على الوجه.


تدارك كرِس روك الموقف الحرج. نكّت عليه فوراً، ثم حاول توضيح الأمر لوِل سمِث الذي عاد لمقعده قائلاً بأنها "مزحة .. عن جي آي جَين". هنا رد عليه سمِث بصوت مرتفع بأن على كرِس روك أن "يترك اسم زوجته خارج نكاته الوضيعة".


أستمر الحفل، وزعت الجوائز، و كان من ضمنها فوز وِل سمِث بجائزة أوسكار كأفضل ممثل.


رأيي الشخصي بما حصل.

تصرّف وِل سمِث ...

هدّم متعة مشاهدة الحفل بالنسبة لي و ربما العديد من أمثالي.

خلق جوّاً غير مريحاً لما تبقى بالحفل شاملاً الحاضرين، المرشحين، الفائزين، العاملين، و مقدّمي الحفل.

اساء لهيبة الحفل و حتى لهيبة حضوره.

صفعة و غلط لفظي بمكانٍ و بمناسبةٍ مقدستين بمقياس الفن شهدهما مليارات البشر.


هل كانت نكتة كرِس روك جارحة؟

ليست تماماً. كانت برأيي و بمقياسي الشخصي بالوسط.

لكنها كانت جارحة بمقياس وِل و جيدا سمِث.


هل استحقت الرد و "المعاقبة" مِن قبل سمِث؟

هذا يعود له و لمدى تقبّله للنكتة و تعامله مع طبيعة مزاح روك.


هل استحقت الصفع و الكلام البذيء؟

لا.

حتماً و قطعاً و بالتأكيد .. لا.


كان لوِل سمِث التعامل مع كرِس روك و الرد عليه بألـــف طـــريـــقـــة دون المساس بهيبة المناسبة و تلويث متعة حضور و مشاهدة المناسبة التي يحضرها.


يعني، مثلاً، لو نهض وِل و زوجته و غادروا الحفل بعد النكتة، لكان الوضع يختلف تماماً.


جلب وِل سمِث تصرفات الشارع الى الحفل الكبير. و هذا لا أقصد به أي شيء له علاقة بعرق أو وضع إجتماعي أو مدى حب رجل لإمرأة أو بثقل المزحة أو بالدفاع عن اسرة أو مَن كان على حق و مَن على باطل.

تصرّف اهوج مهين لزميل مهنة، للحضور، للمناسبة، و المُشاهدين. لا تأثير له سوى إنتقاص من قيمة كل المذكورين.


فاز وِل بأوسكار أفضل ممثل بنفس الليلة بنفس الحفل. مبروك عليه الجائزة. هو ممثل قدير مخلص لمهنته، يفرحني فوزه. يستحق التصفيق و الغبطة لفوزه بالجائزة، لكن ليس لتصرفه الأخرق.

كان بإمكان كرِس روك أن يتصل بالشرطة، و كان لوِل سمِث أن ينتهي بالتوقيف بمركز الشرطة، لكن روك لم يفعل ذلك. و كان بإمكانه مقاضاته، و لم يفعل. ما فعله روك بهاتين النقطتين كان حسناً.


بمقياسي الشخصي للقابلية التمثيلية و إختيار الأدوار، لا يزال وِل سمِث يحتل مرتبة عالية.

بمقياسي الشخصي للشهرة، خفتت عندي هالة النجومية لوِل سمِث، ولا اتخيل نفسي بأن اراه بنفس الدرجة التي كنت اراه بها قبل اسبوع. هذه سنتركها للزمن لتتعافى .. او تسوء.





٢١ مشاهدة٠ تعليق

Comments


bottom of page