ما هو السبب الحقيقي وراء نكبة هذا الرجل؟
هل غضب والديه عليه و عدم رضاهم عنه؟ أم طفولته القاسية التي قضاها في التشدد و التزمت؟ أم غروره بقدراته و مواهبه؟
عدة أسباب اجتمعت على هذا الرجل لتدمر مسيرته المهنية الناجحة وبدلاً من أن يكون عالم كبير بأفكاره وعبقريته المتفردة، أصبح لا شيء يُذكر، ومات وحيداً منبوذاً و مكروهاً من كل من حوله.
كل قصص العلماء والعباقرة في أفلام هوليوود تستعرض لنا قصة الكفاح والنضال والتمسك بالحلم حتى يتحول لحقيقة، إلا هذا الفيلم الدنماركي الوحيد الذي استعرض كيف يمكن للانسان أن يضيع كل أحلامه بسبب شخصيته السيئة، أول عمل يتحدث عن عقبري من الناحية النفسية بعمق فني وتوغل نفسي في شخصية مما أدى لنتائج دمرت مستقبله وأهدرت عبقريته.
الفيلم بعنوان الرجل المحظوظ، ولكن هل بيتر بطل فيلمنا بالفعل محظوظ ؟ في الحقيقة أن الحظ هو عبارة عن مجموعة صدف وظروف تجتمع كي تهييء حدوث وضع معين، باختصار الحظ هدية تمنح مجاناً وفق مصادفات لا شأن لك بها، كذلك نعتبر أن الانسان كلما اجتمعت فيه الكثير من المزايا كلما كان محظوظاً بما حباه الله من نعم، وفي الحقيقة أن بيتر بطل الفيلم بالفعل رجل محظوظ، فقد اعطاه الله الكثير من الصفات والنعم التي جعلته مميز بين الناس، بل وهيأ له كل الظروف ليحصل على ما يريد، وكان بالفعل بينه وبين أحلامه خطوة واحدة، لقد توفر له كل شيء على طبق من ذهب، امرأة جميلة تحبه وعائلة ثرية تدعمه، حلمه بمشروعه الذي كان سيتحقق وأبواب المجد مشرعة أمامه، ولكنه ضيع كل ذلك بغروره وتكبره وعنده وكبريائه.
كلمة اعتذار واحدة كانت كفيلة بتحقيق كل ذلك ولكنه أبى الاعتذار وابي ان ينحني أو يتنازل من أجل الوصول لهدفه. ولكن ما السبب الحقيقي وراء هذا الغرور الطاغي؟
انه الطمع الذي جعله يظن أنه سيحقق كل ما يطمح إليه بدون أي تنازل، فهو العبقري الذي لا يمكنه أن يتنازل أبداً ولماذا يتنازل من الأساس؟ فعلى العالم أن يتنازل من أجله.
وراء هذا الطمع طفولة معذبة وحرمان من كل شيء من الحنان والتفهم والحرية، ولكن لا مفر من القدر، فربما يكون الله ليس مقدراً له أن يحقق أحلامه، فسلط عليه نفسه لأنه لم يكن يستحق كل هذا، كما قال له والده في بداية الفيلم، فربما كان بيتر هو رجل ملعون و ليس محظوظ؟
هو فيلم عن الطموح حين يصطدم بالكبرياء، وعن النجاح الذي يتطلب تقديم بعض التنازلات، وعن الحياة التي إذا سُرقت في الطفولة لن يعود لها قيمة عندما نكبر، حتى لو فُتحت كل أبواب الحظ.
هو فيلم عن العبقرية حين تصطدم بالبيروقراطية، عن العقل الشاب المتمرد حين يصطدم بعقول الشيوخ القديمة، عن التلقين والمعرفة النظرية وتطبيقاتها العملية، وهو فيلم عن الغفران والحب حين يمس شغاف القلب ولا يغادره مهما مر الزمن.
الفيلم على مستوى السيناريو فهو حقاً رائع وانتبه الكاتب لكل تفاصيل الشخصية وبنائها الدرامي الصحيح، فكل تصرف صدر من بيتر كان له مبرره الدرامي الواضح و التفسير لدى المشاهدين، وأرى أنه أفضل شخصية تم صياغتها بتفاصيل دقيقة جعلت منها لحم ودم على الشاشة.
كذلك كانت باقي الشخصيات في الأغلب، النهاية ربما كانت تحتاج إلى دقائق أكثر لمعرفة تفاصيل انفصال بيتر عن عائلته، ولكن كانت كلمات بيتر عن الأمر كافية، فالأحداث أخذت وقتها الكافي للسرد بدون قفزات سريعة غير مبررة و بدون أي بطء في سرد حدث معين، فلا يوجد حدث أخذ وقتاً أكثر مما يستحق أو أقل مما يستحق، ما يؤكد أن الفيلم كان يسير برتم ممتاز و مشوق لم يتخلله أي ملل رغم طول مدة الفيلم الذي وصل مدته إلى ثلاث ساعات كاملة.
بالنسبة للأداء تألق النجم بطل الفيلم إسبن سميد في أداء دور البطولة وتلائمت ملامحه مع الشحصية تماماً، فقدم أداءً متفرداً جعلني أبحث بشغف عن جميع أعماله لاستمتع بما يقدمه من أداء وتقمص، وكانت جميع الاداءات في الفيلم ما بين الجيد جداً والممتاز.
التصوير مبهر والأزياء مناسبة تماماً للعصر الذي تدور فيه الاحداث، تقييم الفيلم ولاول مرة اعطي هذا التقييم عن جدارة و استحقاق.
تقييم الناقدة ★★★★★
Comments