حين تصبح الجريمة عاهة مستديمة ويستحيل محو الأثر.
هو فيلم مأخوذ عن رواية تحمل نفس الاسم، تصنيفه دراما وجريمة، ومأخوذاً في الاساس عن واقعة حقيقية.
في الحقيقة انني شاهدت هذا الفيلم للمرة الاولى منذ فترة قريبة، بعدما أوصى به الكثيرين، ولكني كنت مترددة في مشاهدته نظراً لما يطرحه من قضية عنف ضد الاطفال وقضية شائكة وحساسة، خوفاً من طرحها بشكل مبتذل أو فج، ولكن لم أكن اتخيل هذا القدر من المتعة أثناء تجربة المشاهدة، فالفيلم يعج بكمية مشاعر وصدق في الأداء مذهلة، يجعلك تشاهد وتصدق وتغضب وتتعاطف وتشعر بكل ما مر به أبطال الفيلم الأربعة، بل وتسعد معهم بحلاوة الانتصار حتى وإن كان بطرق غير مستوية وغير مستقيمة.
تدور أحداث الفيلم عن اربعة اطفال مراهقين بين الـ١٢ و الـ١٥ عام، يعيشون في أحد الأحياء الفقيرة يعانون الفقر والحاجة والحرمان، ولكن يحاولون التمسك بالقيم التي يرسخها فيهم الأب بوبي (روبرت دي نيرو)، إلا أنهم ذات يوم وفي لحظة طيش يستولون على عربة سجق، ولسوء حظهم يقتلون أحدهم أثناء هروبهم بعربة السجق دون قصد.
يحال الأربعة للإصلاحية لاعادة تأهيلهم وتقويم سلوكهم، ولكنهم يجدون في الاصلاحية ما لم يتخيله بشر، حيث يتعرضون للتعذيب بمنتهى القسوة والاعتداء الجسدي والجنسي من قبل الحراس الساديين.
يتكتم الأطفال على ما حدث ويخشون الفضيحة دون جدوى، مع امكانية عدم تصديقهم كونهم أصحاب سوابق. تمر السنوات و يصبح مايكل (براد بيت) وكيل نيابة و شيك (جيسون باتريك) أصبح صحفياً، فيما أنجرف الشبان "جون" و "طوني" في عالم الجريمة، و بالصدفة يلتقون برئيس الحراس الذي شهدوا على يديه كل هذا العذاب، فيقررون قتله في مكان عام، ويتولى مايكل التحقيق في القضية و يضع مع شيك الصحفي خطة محكمة لاخراج صديقيهما و انقاذهما من الاعدام.
أفضل ما كان في الفيلم هو تسليط الضوء على مدى الصدمة النفسية التي تعرض لها الأطفال بعد اصابتهم الجسدية والنفسية ومدى الانهيار النفسي الطويل المدى الذي يصاحب الطفل بعد هذه الجريمة البشعة في حقه، فحتى من استطاعوا أن يستقيموا في حياتهم ويعملون في وظائف محترمة، لم يستطيعوا ممارسة حياتهم بشكل طبيعي أبداً، فمايكل الذي انفصل عن حبيبته بسبب الأثر النفسي بداخله و شعوره بالنقص و الضعف الدائم، كما أنه تأثر كثيرًا برواية الكونت دي مونت كريستو من تأليف ألكسندر دوماس، والتي يدور فحواها حول الانتقام، وكان يقرأها مرارًا وتكرارًا ليبقي على نار الانتقام بداخله مضطرمة اللهيب ولا تخبو شرارتها.
كذلك كان شيك الذي كان يعاني اضطراباً نفسياً واضحاً ودائم الشعور بالانعزال والانطواء وضعف الشخصية والانكسار أمام الجميع وكأن العالم أجمع يعرف ما حدث له.
أيضاً الفيلم عرض الحل لهذه الجرائم الشنيعة في حق الأطفال، فكان لابد لهم من الابلاغ عن ما حدث في الاصلاحية ورفع قضية لأخذ حقوقهم من الجناة، ربما حينها كانت ستنطفأ نيران الانتقام بداخلهم وربما خمد الاضطراب النفسي الذي عانوا منه ولو قليلاً.
الفيلم من أروع أفلام براد بيت وتألق فيه الجميع على مستوى الأداء، خاصة كيفين بيكون فرغم قلة مشاهده إلا أنه جسد دور السادي بمنتهي العبقرية والاحتراف.
كذلك كان الإخراج مميز و رائع و طرح المخرج قضيته بدون أن يقدم أي ابتذال في المشاهد واستطاع توصيل حجم المعاناة والمأساة بدون أي انحطاط، فضلاً عن الموسيقى التصويرية الرائعة.
الفيلم تم اقتباسه فيما بعد و تم عرضه في مسلسل تركي بعنوان "الصامتون" من بطولة مراد يلدريم، ولكن رغم النجاح الساحق الذي حققه المسلسل إلا أنه لا يقارن بجمال الفيلم و مصداقيته.
الحديث لا ينتهي عن هذا الفيلم الرائع، وارشحه للمشاهدة جداً جداً.
تقييم الناقدة ★★★★★
Comments