top of page

فيلم كيرة والجن (٢٠٢٢)

هناك أعمال سينمائية لا نستطيع إلا أن نشجعها وندعمها، لما قدمته من محتوى جدير بالاحترام والتقدير يحترم المشاهد ويسعى لاثراء معلوماته التاريخية والثقافية وينمي لديه الانتماء للوطن ويعرفه بطولات من ضحوا من اجل هذا الوطن، مهما كانت سلبيات العمل الأخرى.

فتجد نفسك مادحاً للعمل ومانحاً اياه علامات كاملة، بالرغم ما به من سلبيات ونقاط ضعف كان على فريق العمل الانتباه لها، وفيلم كيرة والجن فرض على الجميع تقديره، فلا أحد يستطيع انكار أن الفيلم يمثل نقلة نوعية فى السينما المصرية، ليس ذلك فقط بل إنه يعيد للسينما المصرية سحرها ويذكرنا بواحد من أهم أدوار السينما فى زيادة وعى الناس وتذكيرهم بمعارك نضالية مهمة وأبطال منسيين أسهموا فى تحرير هذا البلد.



كما أن هناك جهداً حقيقياً وإخلاصاً فى إنجاز هذا العمل بشكل متميز ولافت، ومجهود مضني من فريق العمل على مدار ثلاث سنوات كي يخرج العمل بهذا الشكل وهذا الاتقان فيما يتعلق بكل عناصر العمل الفنية، ومنها المعادل البصرى الذى قدمه الفيلم لفترة مهمة فى تاريخنا الوطني بدءاً من مذبحة دنشواي في ١٩٠٦ وصولاً إلى ثورة ١٩١٩ وما تلاها، فالملابس والأزياء والديكور والاضاءة كل شيء اعادنا بالفعل إلى هذا العصر وكأنك عدت بالزمن إلى الوراء، وبالأخص مشهد اعادة تجسيد مذبحة دنشواي، فكانت كما هي تماماً وفقاً لكل المصادر التاريخية، اعادة تمثيل حية نابضة بالحياة تجعلك داخل المذبحة متفاعلاً مع كل أحداثها، كذلك كان الأداء مميزاً من الجميع، بالأخص أحمد عز وهند صبري وسام هازلدين.

تنفيذ غاية في الاتقان وعالي الجودة في مشاهد الاكشن والمطارادات، فضلاً عن الموسيقى التصويرية الساحرة لهشام نزيه العبقري.



إلا أن الفيلم يعانى بعض نقاط الضعف، والهنات التي يتعلق أغلبها بدراما الفيلم ورسم بعض شخصياته، وتحديداً فى الساعة الأخيرة من الأحداث، الفيلم يناقش فترة مهمة في التاريخ المصري الحديث، وهو أمر محمود للغاية، فالتاريخ المصري مليء بالأحداث التي يمكن تقديمها بشكل جذاب، كما تفعل السينما الأمريكية من صناعة أفلام ملحمية عن حروبها لكن بشكل إنساني، يجعل المشاهد يتعاطف مع أمريكا رغم المترسخ داخله من كونها معتدية.

وهنا تكمن المشكلة الحقيقية، فالأفلام الأمريكية تجعلك تتعاطف معها ومع جنودها بخلق حالة درامية مؤثرة من معاناة البطل في حرب مرغم على خوضها بغض النظر عن رأيه فيها، معاناة انسانية ضميرية درامية بحتة تنتج من تكرار مواقف بسيطة وتفاصيل دقيقة تبني الشخصية وتؤسس لها لتعرف ما يدور بداخل البطل، تلك التفاصيل هي التي ترسم شخصية البطل و حجم معاناته، فتجد امامك شخصية من روح ولحم ودم يمكنك ان تبني تجاهها مشاعراً سواء بالتعاطف أو الكره.



فيلم كيرة والجن لم ينجح بذلك، ولم يستطع المشاهد الشعور بأي شيء تجاه شخصياته، فالفيلم تعامل مع الشخصيات على انها مجرد عنوانين بدون تفاصيل في الداخل، حتى شخصيات الابطال رغم ما بها من تفاصيل، إلا ان اصرار الكاتب والمخرج على طرح الفيلم في شكل نشرة اخبارية بها أهم و ابرز الحوادث في الفترة التي يتناولها الفيلم (الحدث فقط) بدون التركيز على ردود افعال ابطال المجموعة الفدائية أو توضيح كيفية تجاوز الحادث، او كيفية الاستعداد لكل عملية، لاختزال كل هذه التفاصيل في تجسيد العملية الفدائية فقط مع كتابة تاريخها على الشاشة وكأنك في عمل وثائقي، يعتمد على ذكر المعلومات أكثر من تجسيدها بالأداء، ما افقد من العمل الكثير وجعل شخصياته سطحية لا تؤثر على المشاهد رغم ما تقدمه تلك الشخصيات من تضحيات، حيث اعطى فريق أهمية خاصة لمشاهد الأكشن والمطاردات والخدع البصرية على حساب التأسيس الدرامى لعدد من شخصيات العمل، التى لم نعرف دوافعها أو أسباب تحولاتها.



حتى أن شخصية دولت فهمي اهدر الفيلم حقها واظهرها أن ضحت بنفسها من أجل انقاذ حبيبها عبد القادر في حين أنها في الحقيقة ضحت بنفسها من أجل الوطن فقط ومن أجل انقاذ التنظيم قبل انكشاف امره، ولم تكن تعرف عبد القادر شحاتة من قبل، وكانت المرة الأولى التي رأته فيها في النيابة اثناء الادلاء بشهادتها بعدما طلب منها التنظيم ذلك.


فسيناريو الفيلم أهدر تلك الحالة الإنسانية الفريدة وتحديداً فى الساعة الأخيرة من الفيلم، وقد يكون السبب فى ظني هو أن كاتب النص الروائي هو نفسه صاحب السيناريو والحوار الذى مهما حاول التخلص من سطوة روايته وتغيير بعض تفاصيل الرواية فى النص السينمائى، فإنه فى النهاية لن يستطيع الفكاك.



إضافة إلى بعض القفزات الدرامية غير المبررة اطلاقاً، حيث يقفز الفيلم في ساعاته الثلاثة زمنيًّا إلى الأمام مرات بعد مرات، دون ذروات حقيقية تبرر تلك القفزات، بل يصيغ ذروات قصيرة بعد كل فصل من فصوله غير الرسمية، فمع الوقت تفقد مشاهد المعارك والهجوم تأثيرها المحوري ويصبح من المرهق مجاراة قصة لا تملك خطة حقيقية للتحرك للأمام.


كما غاب المنطق عن كثير من الأحداث، فمثلاً المشاهد التى أصبح بعدها كيرة والجن مطلوبين رسمياً وصورهما تملأ الجرائد والشوارع، ورغم ذلك نراهما يتحركان بشكل طبيعي.


كما أن مشاهد المطاردات فى تركيا وحصار الضابط الإنجليزى ومجموعته مع الهلباوى لكيرة والجن، كانت تحمل الكثير من المبالغات والركاكة فى تنفيذها.



«كيرة والجن» فيلم مصري كبير، ضخم في مقياسه وقيمة أبطاله وموضوعه التاريخي، يؤطر مواهب ومجهودات الكثيرين من العاملين عليه، خاصة في الجوانب الفنية والتقنية، لكنه لا يملك التكثيف أو التحديد الذي يجعله فيلمًا خالدًا في المشاعر التي يقدمها أو في التمثيلات التاريخية لشخصياته الحقيقية والمتخيلة، لكنه يبقى تجربة مشاهدة مثيرة على شاشات السينما، ومتعة مجردة للعين والأذن.

فيلم مسلّ ووطني في الوقت نفسه ورغم فجوات سيناريو الفيلم ومشاهد القتال غير المنطقية فإن الفيلم حقق معادلة قلما تحققت في السينما العربية أخيراً، فهو فيلم حافل بالمشاعر الوطنية والمعلومات التاريخية التي يمكنها أن تتحول لمرجعاً تاريخياً بعد فترة.


تقييم الناقدة ★★★★



٢٥ مشاهدة٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل

Comments


bottom of page