top of page
صورة الكاتبداليا محمد

مسلسل أماكن في القلب (٢٠٠٥)

الاقتباس الأفضل في الدراما المصرية.


بمناسبة ما يُعرض هذا العام من هراء وموسم درامي من أضعف المواسم الدرامية على مدار عدة سنوات، حيث لم يستطع أي مسلسل أن يلفت الانتباه له أو أن يكون حديث مواقع التواصل الاجتماعي، ما جعلني أتذكر عمل درامي كان من أنجح الأعمال الدرامية التي عُرضت في المواسم الدرامية وحقق نجاحاً مبهراً، بل وكان حديث الوطن العربي بأكمله وحاول صناعه استثمار نجاحه وتقديم تجارب مشابهة له لعدة سنوات فيما بعد، إلا أن أي من هذه الأعمال لم يحقق نجاحاً يضاهي النجاح المذهل الذي حققه مسلسل "أماكن في القلب".



يعتبر العمل من افضل المسلسلات التي تم تقديمها في الدراما المصرية، وأفضل المسلسلات التي تم اقتباسها من أعمال أجنبية، واستطاع صناع العمل تطويعه ليخدم قصة عربية اصيلة بفكرة جديدة، ليصبح للعمل طابعه الخاص وبصمته الخاصة بعيداً عن الأعمال التي تم اقتباسه منها.


كان رائعاً طوال الحلقات الأولى منه واستعراض المحاكمات التي مرت بها شخصية ايمي أدامز وكل الاضطهاد والعنصرية التي ظهرت من قبل البعض في الجلسات والعدل والحيادية التي ظهرت من قبل البعض الآخر، وظهرت فكرة العمل الاساسية بوضوح وهي صراع الحضارات والثقافات والعنصرية والضغينة التي ظهرت من قبل بعض الأمريكان تجاه العرب والمسلمين في ذلك الوقت.


كان المسلسل حتى حلقاته الأولى وطول فترة تصدر الفنان هشام سليم وعلا غانم للبطولة يسير بخطى ممتازة ورائعة جعلت منه عملاً فريداً حقاً، ومختلف تماماً عن الأعمال في تلك الفترة التي كانت تتسم بالنصوص المتشابهة والمكررة عن الدراما الاجتماعية والعائلية والزواج العرفي ومشكلات الشباب وما إلى ذلك، حتى هذا المسلسل الذي حقق نجاحاً مذهلاً في الوطن العربي لتفرده و تقديمه سيناريو رائع ذو حبكة مميزة.


حتى ظهرت الفنانة تيسير فهمي في الحلقة الثالثة عشر من العمل، وهي زوجة المنتج وصاحب قصة العمل كفكرة بعدما استمع لتفاصيل حكاية مشابهة من صديق يعمل محامياً في امريكا، فيما كتب السيناريو والحوار الكاتب بشير الديك... هنا دخل المسلسل في طور التقليدية والدراما المبتذلة بعض الشيء، فاتسمت حكاية ماجدة التي جسدت دورها تيسير فهمي بشيء من السذاجة وعدم المنطقية في الكثير من الاحداث، حيث بدأ ايقاع المسلسل في الهبوط والمبالغة والكثير من الدراما الزائدة، ولكنه ظل مقبولاً ومسلياً، فما جعل المسلسل مازال مثير للمتابعة هي مظاهر العنصرية الجديدة التي واجهتها ايمي أدامز من السجينات والتي استمرت قرابة الثمان حلقات، حتى الحلقة التاسعة عشر من العمل والتي تعتبر الحلقة المحورية في أحداث المسلسل وبداية الانقلاب الدرامي الهائل في السيناريو.



و في ذلك الوقت أكد جميع النقاد أن المسلسل بهذا الانقلاب الدرامي فقد الكثير من منطقية أحداثه وسقط في فجوة كبيرة وخطأ لا يغتفر من كاتب المسلسل، حيث تغيرت الشخصية التي اعتاد عليها المشاهد منذ بداية الأحداث وأصبح مطلوباً منه أن يصدق أن شخصية ماجدة التي اتسمت بالخبث والشر أصبحت هي شخصية ايمي أدامز الرقيقة البريئة الساذجة، ورأى بعض النقاد أن المخرج نادر جلال كان عليه أن يستخدم صوت علا غانم بدلاً من تيسير فهمي في عملية دبلجة، ليبقى شيء من شخصية ايمي السابقة تذكرنا بها، كما أن الممثلتان تيسير فهمي وعلا غانم ليستا شبيهتان على الاطلاق ولا حتى في نفس العمر، ما جعل المشاهد يجد صعوبة في تصديق أن الشخصيتن هما في الاساس شخصية واحدة.


كما أن المسلسل بحادث الحريق وتبديل الوجوه دخل في تصنيف آخر غير تصنيفه الاساسي وهو الخيال العلمي، فنظرياً و لمياً استحالة أن يعود انسان تشوه بنسبة حروق أكثر من ٩٠% إلى هذه الحالة الطبيعية جداً بدون أي تشوهات تذكر في الوجه، بل و كل هذا في فترة علاج اسبوعين فقط!


فما جعل المشاهد غير متقبل لهذا الحدث اطلاقاً ليس فقط تغيير الشخصية التي تعلق بها المشاهد في تحيز واضح للبطلة زوجة المنتج لتقدم هي الشخصيتن، بل أيضاً هذا الخيال العلمي الذي ظهر في الأحداث، فهناك البعض يقول أن ذات الفكرة تم تقديمها من قبل في فيلم " Face/Off " وتقبلها الجمهور وأكدوا أن الفيلم رائع وعبقري، فلماذا لا يتقبلها الجمهور في مسلسل مصري؟


هنا الأمر ليس متعلقاً بالحدث نفسه بقدر ما هو متعلق بنوعية العمل الذي ينتمي إليه الحدث، فالفيلم تصنيفه خيال علمي ما يجعل المشاهد مهيأ نفسياً لتقبل أي حدث يفوق العقل والمنطق، ولكن لا يمكن غرز حدث خيالي وسط هذا الكم من الأحداث الواقعية والمنطقية ومناقشة فكرة مهمة كالعنصرية لمجرد مط الأحداث ولجعل البطلة تنفرد بالبطولة في باقي أحداث المسلسل، لتعويض تأخير ظهورها ثلاثة عشر حلقة، لتنفرد هي بالمساحة الاكبر فيما بعد.


ولكن يُحسب للمخرج نادر جلال أشياء مهمة جداً تؤخذ في الاعتبار، وهي اختياره الثاني لشخصية ايمي أدامز، فبالطبع تيسير فهمي كانت هي البطلة منذ بداية التجهيز للمسلسل، فيما وقع اختيار المخرج على علا غانم للعب الشخصية في الحلقات الأولى وكان اختيار موفق منه لأنها في نفس جسد وطول تيسير فهمي، فلا يمكن أن تتغير ملامح و صوت ايمي أدامز بعد الجراحات التجميلية، وكذلك يتغير طولها أو حجم جسدها وهذه كانت لفتة موفقة منه، كما أن المخرج كان من السهل عليه أن يدبلج صوت الفنانة تيسير فهمي بصوت الفنانة علا غانم، ولكنه لم يلجأ لهذه الوسيلة لأن الدبلجة تسرق جزءاً من شخصية الممثل ما يجعل المشاهد يفقد القدرة على التفاعل معه، ويفقد الاداء مصداقيته لذلك ضحى المخرج بمنطقية الحدث مقابل الصدق في الاداء.


كما تألقت الفنانة تيسير فهمي في تجسيد شخصية ايمي ادامز بنفس النظرات البريئة والملامح الهادئة التي تحلت بها شخصية ايمي أدامز مع علا غانم ما جعلها تدخل في الشخصية سريعاً ليبدأ المشاهد الاعتياد عليها، مع احتفاظ المخرج ببعض التفاصيل الشكلية مثل العدسات العسلية لكلاً من علا غانم وتيسير فهمي وكذلك نفس لون الشعر لتذكرة المشاهد بالشخصية السابقة.


رغم كل ما سبق و رغم الاقتباس الواضح من الفيليمن الشهيرين " Double Jeopardy" و " Face/Off" و حتى مع الاستعانة بالموسيقى التصويرية لكلا الفيلمين، إلا أنه في النهاية المسلسل جميل جداً وبذل الكاتب والسيناريست جهداً كبيراً في اعادة صياغة الأحداث ودمج الفيلمين معاً لاخراج تجربة مصرية ممتعة في أبهى صورة لها، و باختيار نهاية موفقة تنتصر للحق والعدل والمباديء التي لا يجب أن يحيد عنها الانسان مهما واجه من ظلم واضطهاد على عكس الفيلمين الاجنبيين.


تقييم الناقدة ★★★★


١٥ مشاهدة٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل

Comments


bottom of page