حقق مسلسل "الشارع اللي ورانا" نجاحاً لافتاً، و حصل على نسب مشاهدات مرتفعة جداً وقت عرضه، و كذلك على موقع الفيديوهات الشهير يوتيوب. تميز المسلسل بعدة عناصر فنية قوية وعالية التقنية ما جعله يحظى بمتابعة الجمهور اليومية لمعرفة كيفية سير أحداث القصة التي تنطوي على الكثير من الاثارة والتشويق.
تبدأ أحداث الحلقة الأولى من المسلسل بهروب نادية "درة" من المصحة النفسية التي تقيم فيها، بعدما ظنت أن وجودها في المصحة هو السبب الرئيسي لرؤيتها للأحلام أو الكوابيس المزعجة كل ليلة، ولكن يتضح بعد ذلك أن المشكلة ليست في المكان، بل في نادية نفسها لأنها ترى نفس الأحلام في بيت عائلتها، بل و ترى اشباحاً لوالديها الذين وافتهم المنية قبل سنوات وهي مستيقظة ما يجعل الأحداث تشتعل منذ عرض الحلقة الأولى ليثير المسلسل فضول الكثيرين لمعرفة السر واللغز وراء تلك الحالة النفسية الغريبة التي تعاني منها نادية بطلة العمل و محور الأحداث.
ترتكز الحبكة الدرامية للعمل التي كتبها المؤلف "حاتم حافظ" والذي نال إشادات واسعة من الجمهور والنقاد على جعل العمل ينتمي إلى النوعية الأعمال المثيرة للرعب، التي تجذب إليها الجمهور بشكل كبير وعلى وجه التحديد الجمهور المصري، نظراً لافتقار تقديم تلك النوعيات في السينما والدراما المصرية ما يجعل تلك الأعمال تلقى إقبالاً جماهيريًا كبيراً وتوافد المشاهدين عليها فور عرضها، خاصة المولعين بهذه النوعية من الأعمال التي يعتبرون أنها تزيد من نسبة التركيز لديهم وتخرجهم من حالتي الملل والرتابة التي يعانون منها في اغلب أوقاتهم، ولابد من توافر عنصر الغموض أيضُا إلى جانب عنصر الرعب لدعوة المشاهد للتفكير في كل تفاصيل العمل لكشف أسراره، فتدور أحداث مسلسل "الشارع اللي ورانا" حول الهلاوس والتخاريف الفاصلة بين الحياة والموت، وتلك الأحداث المثيرة والغامضة تحدث في بيت بشارع معين خلف المنزل الذي تسكن فيه البطلة، وهو سر تسمية المسلسل بهذا الاسم، فقد برع المؤلف حاتم حافظ في كتابة التفاصيل والتحكم بكل خيوط المسلسل دون أن يفلت أحدهم من بين يديه ما يُحسب للكاتب الذي يُعد هذا المسلسل هو العمل الأول له بعد مشاركته في ورشة كتابة مسلسلي "سي السيد" و"استيفا".
بالرغم من بعض الانتقادات اللاذعة التي طالت المسلسل بعد عرض حلقتيه الأولى والثانية من المشاهدين على مواقع التواصل الاجتماعي نظرًا لصعوبة فهم الأحداث والتفاصيل التي يعج بها المسلسل ووجه الربط بين جميع الشخصيات، إلا أنه سرعان ما تحول هذا النقد إلى إشادات واسعة بعد عرض حلقات أخرى ووضوح فكرة العمل أكثر، وخص الجمهور المخرج "مجدي الهواري" بالثناء والشكر لاتباعه مستوى فني وتقني عال، إلا أنه لم يقدم أسلوباً جديداً ليتميز به المخرج عن سابقيه وغيره في اخراج هذه النوعية من الأعمال، حيث لم يلجأ لأي افكار مبتكرة من أجل اصابة المشاهد بالذعر والقلق، ولتعميق شعور الخوف لدى المشاهدين، حتى يستطيع أن يخدم الحبكة الدرامية للعمل، حيث اكتفى باستخدام الموسيقى التصويرية المرعبة واعتمد على أسلوب المفاجأة، وكذلك الاضاءة الخافتة والمظلمة وهي كلها ليست بعناصر جديدة في عالم الرعب والاثارة، إلا أننا لا نستطيع انكار تنفيذها بنجاح كبير على الشاشة.
نجحت الأزياء في لفت نظر الجمهور بنسبة كبيرة، فتميزت أزياء المصممة "أنجي علاء" في المسلسل بالجمال والدقة حيث اعطت لكل شخصية مظهرها الخارجي الذي يتناسب تماماً مع الفترة الزمنية التي تمثلها، فنجد أن "لبلبة" أو ألهام التي تعيش في الريف عام ١٨٧٥، و شخصية "نسرين أمين" أو ثناء التي تظهر في عام ١٩١٥، و شخصية "انجي أبو زيد" أو مي التي يتزامن وجودها مع فترة الحرب العالمية الثانية عام ١٩٤٥، و شخصية "نهى عابدين" أو مديحة التي تعيش في عام ١٩٦٥، و الطفلة "مريم" التي تعيش في عام ١٩٨٠، و شخصية "درة" أو نادية و هي محور الأحداث و تعيش في عام ٢٠١٨
ربما كان الحوار هو أضعف عناصر العمل وكان مملاً و مليء بالرتابة في كثير من الاحيان، كما أن عرض المسلسل على ٤٥ حلقة، تسبب في حالة من الملل والرتابة لدى المشاهد الذي فقد القدرة على المواصلة في متابعة كل هذا الغموض على مدار هذا القدر الكبير من الحلقات، فدائماً نوعيات الاثارة والغموض يُفضل أن يتم طرحها في عدد قليل من الحلقات كي لا يتوه المشاهد بين كثرة التفاصيل حتى يُنسى اللغز الأصلي في العمل.
كانت نسرين أمين الأكثر تألقاً في العمل والأكثر تقمصاً للشخصية، كذلك أنجي أبو زيد التي ظهرت في اطلالة هوليودية وتحدثت الفرنسية بطلاقة ما جعلها من أكثر صناع العمل الذين حظوا بردود أفعال ايجابية.
وكانت النجمة لبلبة هي الأعظم بين النجوم الأكبر سناً والتي خرجت من عباءة الكوميديا التي ارتدتها لسنوات، لدرجة أنها تعلمت حرفة " الكورشيه " على يد متخصصين.
كما تألق الوجه الجديد نجيب بلحسن في دور ستيفان وساعده على هذا التألق وحالة التعايش مع الشخصية هو ملامحه الأجنبية الغربية، فضلاً عن موهبته المميزة.
فيما كان الجميع بعد ذلك في حالة فنية جيدة منهم أحمد حاتم وهند عبد الحليم ونهى عابدين وعايدة رياض، ولكن كانت درة بطلة العمل هي نقطة ضعف المسلسل التي مازالت وستبقى صغيرة على الأدوار المركبة، ومحدودة القدرات الفنية لتسكينها في أدوار البطولة من الأساس.
كذلك كان من اضعف الأداءات في المسلسل هو الفنان الراحل فاروق الفيشاوي الذي قدم أداءً باهتاً خالي من أي انفاعلات.
أكثر ما يُحسب للعمل هو تمكن مسلسل" الشارع إلى ورانا" من تجاوز الصورة النمطية للدراما بقصة متفردة وكسر لخطية الزمن وتقنيات إخراج عالية وسرد غير نمطي، ليخرج بذلك من الصورة المألوفة للدراما والتناول الخطي للأحداث. فيسود المسلسل جو من الغموض والتشويق يضع المشاهد دائماً موضع حيرة وتساؤل.
يخاطب المسلسل بدرجة أولى عقل المشاهد ليستفزه بأحداث متداخلة وأزمنة مختلفة ليدعوه للتفكير في الخيط الرابط بينها والغوص في بواطنها والتساؤل عن علاقتها ببعضها البعض، لينتقل المتفرج من التساؤل عن “ما الذي سيحدث ؟” وهذا ما نجده في الأعمال الدرامية المألوفة ليتساءل عن"ما الذي يحدث؟"
عناصر مجازية وتناول فريد من نوعه يحملنا إلى عالم مختلف، ويذكرنا برحلة إبن القارح الممتعة في العالم الآخر، البطل المجازي لأبي العلاء المعري الذي جعلنا نلمس عالم آخر، قليلاً ما تتطرق إليه الدراما والسينما بشكل عام.
تقييم الناقدة ★★★
#الشارع_إللي_ورانا
Comments