أحداث واقعية في قالب بعيد عن الواقع.
استطاع مسلسل "الهرشة السابعة" المكون من ١٥ حلقة، أن يحجز مكانة متقدمة بين الأعمال الدرامية التي تعرض خلال شهر رمضان الجاري، في مصر والبلاد العربية، فارضًا نفسه بين أقوى الأعمال التي جذبت المشاهدين.
ما يميز دخول "الهرشة السابعة" في سباق الأعمال الدرامية، هو قدرته على تسليط الضوء على واقع الحياة الزوجية ومراحلها في السنوات الأولى للزوجين، وعلى استقرار تلك العلاقة وتقلباتها.
المسلسل قدم أداءً مميزاً ومبهراً من جميع الأبطال أمينة خليل ومحمد شاهين وأسماء جلال وعلي قاسم في العشر حلقات الاولى، فيما كان الأداء به بعض المبالغة في الحلقات الخمس الأخيرة، بالأخص من أمينة خليل التي تغيرت طريقة حديثها لتتسم بالكثير من التكلف والتصنع، الاخراج لكريم الشناوي ممتاز حد البراعة، فيكفي الكادرات المميزة والمعبرة عن حالة المسلسل وما يعيشه الأبطال من أزمات نفسية، والموسيقى في التترات والموسيقى التصويرية بارعة وهادئة، ومناسبة تماماً للجو العام للمسلسل.
فقد اشتاق المشاهدون لمتابعة عمل درامي واقعي بعيداً عن البلطجة وبعيداً عن البهرجة في الوقت ذاته، مشكلات حقيقية من قلب كل بيت مصري، يتناول الحياة اليومية، العادية جداً، لكنها النفيسة جداً في الوقت ذاته، يتكلم عن العلاقات العاطفية والزوجية بسعاداتها الكبيرة وإحباطاتها التي لا تُحتمل، لذلك كان النجاح حليفاً له.
وهذا لا يعني أنه لا يُمكن توجيه أي نقد للمسلسل، فالغاية ليست إنتاج أعمال لا تُنتقد، بل فقط أعمال تستحق المتابعة وتستحق الانتقاد.
مسلسل الهرشة السابعة أكبر عيوبه وسقطاته هو أنه لا ينتمي للمجتمع العربي والمصري بأي حال من الاحوال، بدايةً من اسمه "الهرشة السابعة" وهو المستعار من اسم فيلم اجنبي، ما يأخذنا إلى دراما مترجمة، مستعارة بطريقة ما، فلو غيرنا أسماء الشخصيات يصلح أن يكون المسلسل إنكليزيًا أو إسبانيًا.
ليس لأنّه يحفر في مشترك إنساني حول علاقات الحب والزواج، بل لأنه عولج دون حفر كافٍ في محليته، فالشوارع لا تكاد تظهر، وأبطال العمل أنفسهم لا يبدو لهم مرجعية دينية حتى في لحظات الضعف والانكسار، فثمة "فلترة" كي لا ينغرس الفعل الدرامي في بيئته وجغرافيته، لتبقى الحوارات عائمة ومناسبة لأي مجتمع.
هنا يفقد الفن شيئًا من خصوصيته، وذاتية تجربته، فيمكن لأصدقاء وأزواج فرنسيين أن يجلسوا جلسة السمر كهذه، ويمكن لأزواج لبنانيين أن يفعلوا الشيء نفسه، ولكن ثمة حمولة خاصة بكل جلسة تميّزها عن غيرها.
ربما لا تعرف مصر طبقة أرستقراطية ـ بالمعنى الدقيق ـ بل طبقة عليا متغيرة ومتقلبة، من شخصيات تحقق ثراءً فاحشًا من تجار ومقاولين، أو موظفين كبار قريبين من السلطة. ثم طبقة متوسطة تجمع الأقل ثراءً ونفوذًا من المتعلمين، وأخيرًا طبقة دنيا فقيرة هي الأكبر عددًا.
بالنظر إلى فضاءات المسلسل، وشخصياته، لسنا أمام طبقة عليا ذات ثراء فاحش، ومتحالفة مع السلطة، ولكن أيضًا ليست "طبقة متوسطة" تعيش خوف السقوط إلى أسفل، فالحبكة هنا تشتغل على شريحة بين طبقية، شخصيات تنتمي بقيمها إلى طبقة وسطى محافظة أخلاقيًا إلى حد ما، لكنها تحاول العيش بمعايير الطبقة العليا النافذة.
فالمسلسل لا يمثل معظم المصريين، وهذا ليس عيبًا، بل خيار درامي. فهو يعبر عن شريحة محدودة، ويتوجه إليها كجمهور ضمني. لذلك، الشخصيات في أزماتها ومآزقها العاطفية والنفسية.
حاول المسلسل دائماً اظهار الواقع الذي تعيشه الأسر والحديث عن الأزمات الاقتصادية والمادية التي يمرون بها منها طرد الزوج من العمل وتولي الزوجة مسؤولية البيت والنفقات، لكن لا يبدو أنهما تأثرا بذلك فعليًا، ولا نجد إجراءات تقشفية صارمة، بل تستمر حياة الرفاهية، حيث شراء شاشة ضخمة للعرض وكذلك عدم استغناء الزوجة عن شراء الطعام الجاهز، كذلك الازمة الدين للبنك بعد رهن المنزل وصعوبة تسديد القرض بعد توقف مشروع الزوج بسبب الكورونا وحظر التجول وما إلى ذلك، ولكن فجأة نجد ان الأزمة تم حلها بدون معرفة كيفية حدوث ذلك، بل أن المشروع اصبح يحقق ارباحاً جيدة، وأن آدم بدأ مشروع الموتيل مع عميل سابق في شركته السابقة.
فالحديث عن وجود الأزمة ليس كافياً، بل على المشاهد أن يشعر بوجودها بدون حديث أو تعبيرعن طريق المشاهد، وهذا لم يحدث سوى في مشهد واحد فقط، بينما لم نشعر بتلك الأزمة الاقتصادية التي يمر بها الزوجين بأي شكل من الأشكال في مشاهد آخرى.
رغم انه من حق كل كاتب اختيار الطبقة التي يريد الحديث عنها ومناقشة قضاياها، إلا أن مرور العالم بالأزمة الاقتصادية الكبيرة بسبب غلاء الأسعار الكارثي لدرجة تغير سعر بعض السلع مرة كل يومين، جعل من المسلسل ليس مناسباً أبداً للأجواء التي تمر بها البلاد، حيث أصبح من ينتمون إلى فئة الطبقة المتوسطة لا يتحملون الكثير من النفقات ويتنازلون عن كثير من الرفاهيات لتحمل الكامليات ما تسبب في تراجع كبير في شريحتهم ، فبعد أن كانوا من أصحاب الطبقة المتوسطة العليا تراجعوا للطبقة المتوسطة فقط أو الاقل من ذلك، ما يجعل العمل مستفزاً للجماهير بشكل كبير، بل انه في أكثر من حوار بين ابطال العمل كان واضحاً جهل ورشة كتابة مريم نعوم ودينا نجم بمحدودية دخل الموظفين العاملين في مختلف المجالات، حيث أرادت البطلة نادين تعليم ابنائها التوأم في مدرسة أجنبية المانية، ليعترض الزوج آدم على ذلك ولكن ليس بسبب النفقات الباهظة للمدرسة، إلا ان اعتراضه انه وزوجته لا يعرفون اللغة ألالمانية ومن منهم سيتولى أمر الدراسة للأبناء، في حين أن مصروفات المدرسة الالمانية في السنة الأولى لرياض الأطفال تتجاوز الـ٧٠ ألف جنيه مع العلم ان الابطال انجبوا توأم ما سيجعل المصروفات مضاعفة بالطبع، وتزداد المصروفات مع كل سنة دراسية جديدة، ليزداد جهل الكتابة في رد نادين على زوجها، حيث أخبرته انها ستعمل في الدوبلاج و تساعده في مصروفات المدرسة، في حين أن أجر الدوبلاج لا يتجاوز الـثلاثة آلاف جنيه مصري كل شهرين، ما تسبب في سخرية مواقع التواصل الاجتماعي من هذا المشهد البعيد تماماً عن الواقع.
إن الهموم عند قاعدة الهرم الطبقي تكون فادحة ومأساوية، وتتعلق بالقدرة على البقاء، والعيش يومًا بيوم، بينما في الأعلى تبدو "الهموم" كأنها "بطر على النعمة"، لذلك لم يكن اختيار تلك الطبقة والفئة الاجتماعية لعرض مشكلات الزواج من خلالها موفقاً أبداً بالنسبة للمشاهدين الذين يعانون كل في ظل غلاء المعيشة كل ساعة.
في مشهد آخر يطلب شريف من سلمى أن يعيشان معاً بدون زواج لتجيبه ماذا ستخبر البواب والجيران ، و لم تذكر أبداً أن رفضها بسبب خوفها من الله إذا ارتكبت هذا الذنب، وترفض هي ذلك دون تقديم مبررات مقنعة لمجتمعنا الشرقي وديننا، مما آثار سخط الجمهور وظهر في تعليقاتهم على المسلسل في وسائل التواصل الاجتماعي، وبعد الزواج يرفض انجابها لطفلاً يجمعهما، في الوقت الذي تكتشف فيه سلمي أنه انجب ابنة في سن الـ١٨، وتجاوز “سلمى وشريف” تلك المشكلة ليصبحا سعيدين، لكن مشكلة الابنة غير الشرعية والتي أخذت حيزاً كبيراً جداً من المسلسل دون مبرر درامي واضح لاستعراض تلك المشكلة، تُعد مشكلة نادرة في المجتمع المصري، حيث أن قيمه وعاداته لا تسمح بعلاقة غير شرعية وبانجاب أطفال خارج إطار الزواج، وإن حدث ذلك فيتم التعامل مع الأمر على أنه وصمة عار، ويتم التعامل مع الأمر بطريقة مغايرة تماماً لما حدث في المسلسل من تقبل وفهم.
يروج المسلسل أيضاً لبعض الأفكار التي لم تلق قبولاً من الجمهور مثل فكرة الصداقة بين الرجل والمرأة والتعبير عنها دون أدنى عناية باختيار الألفاظ الافضل لذلك، كما أن النهاية المفتوحة لم تكن مرضية للمشاهدين الذين تمنوا عودة الابطال في النهاية، ولكن من الواضح أن نادين سترفض العودة لآدم، كما فعلت والدتها ورفضت العودة لوالدها لأن كل تصرفاتها نابعة من تأثرها بترجبة والدتها.
بغض النظر عن ذلك استطاع المسلسل أن يقدم فكرة فشل العلاقات العاطفية، حتى أنه ناقشها بشكل واضح حينما قامت “نادين” بعمل برنامج على النت ناقشت فيه فشل العلاقات العاطفية واستضافت عدد من الشخصيات داخل المسلسل، والذين أدلوا برأيهم في موضوع فشل العلاقات، كما استضافت شخصيات من خارج المسلسل مثل “ماجد الكدواني”.
ميزات المسلسل الكبرى أنه تناول ذلك الموضوع بشكل راقي وإنساني، وقدم نماذج جيده لشخصيات نسائية وشخصيات رجالية على قدر عالي من الثقافة والفهم والتعامل بشكل سوي، لكن لابد من التأكيد على أن ذلك لا يمثل القاعدة العريضة من الأزواج في مصر، فهو بالتالي لا يعبر عن فئة كبيرة من الشباب في مصر.
إلا أن أحد سلبيات المسلسل كانت في فكرة تجاوز الوقت بعدة شهور والتركيز على مواقف فقط من حياة الزوجين قبل الانفصال، كنت أفضل أن يتناولوا الأمر في شكل تفاصيل حياة يومية دون عمل قفزات زمنية كبيرة، في النهاية المسلسل بشكل عام يعتبر جيد جداً مقارنة بمسلسلات أخرى ظهرت هذا العام.
تقييم الناقدة ★★★
コメント