عندما تتفوق الكاميرا على الكلمة.
حالة من الجدل آثارها المسلسل العربي "تحت الوصاية" بطولة منى زكي عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بسبب القضية التي يطرحها ومناقشته لقانون حق الوصاية على الأبناء القُصر.
ودارت معركة على الفيس بوك بين رواد السوشيال ميديا لمناقشة القضية التي يطرحها العمل، حيث تحدث البعض عن الكثير من الحالات المشابهة لحالة حنان في المسلسل والتي تجسد دورها منى زكي، واصفين ما تتعرض له الأم من اذلال في حالة أن يكون اهل الزوج هم الأوصياء ويحاولون الاستيلاء على مال الأيتام.
وناشدوا بتغيير القانون بأن تكون الأم هي الواصية الأولى على الأبناء، لانها الأكثر معرفة بحاجة الابناء والأكثر حرصاً على حقوقهم.
لكن عارض البعض تغيير هذا القانون بالأخص وأكدوا أن الحالات التي تتشابه مع حالة منى زكي في مسلسل "تحت الوصاية" تكون استثنائية وليست القاعدة العامة، ففي الغالب لا يُشكل القانون عائقاً في حالات عدة، حيث أن القانون يمكن التحايل عليه بأكثر من وسيلة، تنازل الجد عن الوصاية للأم بالتراضي، أو قد يتنازل الاب عن حقوق الوصاية والميراث للأم قبل وفاته، كما أن هناك حلول قانونية إذا لم ينفق الجد على الأبناء، حيث يمكن للزوجة رفع قضية نفقة مثل المطلقة تماماً، وفي هذه الحالة سيكون الجد مجبر على الانفاق على الابناء، ومن الممكن أن تستغل الأم هذه الدعوى لاثبات عدم امانته على وصاية الابناء، وتطالب بنقل الوصاية إليها في المحكمة.
في حين أن هناك بعض الأمهات لسن أمينات على أموال الأبناء بالفعل، بل يذهبن للزواج بعد الحصول على الميراث، وينفقن من أموال الأب المتوفي، وهناك من يتزوجن عرفي لعدم حرمانهن من حقوق الوصاية وحضانة الأبناء، وفي هذه الحالة يساعد الغاء القانون هؤلاء الأمهات الجاحدات في التجبر على ابنائهم.
كما أكد البعض أن المسألة لا يمكن حلها بتغيير القانون وأن القانون لا يمكنه أن يعمم حالة واحدة على الجميع، أو لا يمكنه التفرقة بين أم متفانية وأم أخرى تستولي على حقوق ابنائها وتهدرها، وأن الحل يجب أن يكون في يد جهة محايدة.
حيث يمكن بعد وفاة الاب ان تخضع الأم وأهل المتوفي لجلسات أخصائيين اجتماعيين، و لابد وأن تتسم تلك الجهة بالحيادية والنزاهة لتفصل في أحقية من يمكنه أن يتحمل عبء الواصي على الابناء بعد وفاة الأب وفقاً لمقدار ما يتمتع به من نفس سوية، كذلك طالبوا بسرعة النظر في قضايا الأحوال الشخصية التي تعطل الكثير من المصالح بسبب بطء الاجراءات.
وازداد الجدال على مواقع التواصل الاجتماعي بعد دخول فئة اخرى للجدل طالبوا بتغيير قانون ضم الأبناء لحضانة الجدة للأم بعد وفاة الزوجة، فكما للمرأة حقوق للرجل حقوق، وان المعاناة تقع على الجميع وليس على الأم وحدها.
تلك الفئة التي عارضت تغيير نص القانون، طالبت بتعديل بند واحد فقط وهو ضرورة أن تكون الولاية التعليمية للأم، لأن الكثير من أهالي الزوج المتوفي يرفضون تعليم الابناء انتقاماً من الزوجة، وفي النهاية المسألة لا يحسمها قانون بل يحسمها الضمائر والذمم، وكل هذا يعني أن طرح القضية من الأساس ليس له داعي، أو على الأقل كان يجب طرح الموضوع من كل زواياه واستعراض معاناة الأم قليلة الحيلة وكذلك طرح نموذج آخر لأم بيدها كل الصلاحيات ولكنها اهدرت حقوق أبنائها، مع طرح نموذج آخر لأب حرمته عائلة زوجته من أبنائه استغلالاً لنفوذهم.
لكن لا يجوز أبداً مناقشة قضية هامة من قضايا القانون من زاوية واحدة فقط وجانب واحد، وكذلك لا يجوز مناقشة قضية من قضايا القانون دون المرور بكل الاجراءات القانونية والخطوات الصحيحة التي يمكن اتخاذها للخروج من المأزق القانوني، وهذا ما أغفله مسلسل تحت الوصاية.
لكن إذا تناولنا العمل من حيث التقييم الفني فقط، لأن لكل كاتب مطلق الحرية في اختيار قضاياه، فالمسلسل على المستوى الفني كان به الكثير من المغالطات، وهذا ما أضعف بنائه الدرامي وقلل من مبررات البطلة حنان، حيث لاحظ المشاهدين بعض الاستسهال في الأحداث وعدم وجود مبررات درامية كافية للوقوف على كل حدث بالشكل الصحيح والوصول للنتيجة التي آلت إليها الأمور، فبالرغم من التدين الواضح الذي ظهرت به شخصية حنان إلا أنها لجأت للربا والسرقة والتزوير والرشوة وكل ما حرم الله للوصول إلى أغراضها و إن كانت أغراض نبيلة.
بل أنها خرجت للصيد بالمركب المسروقة بدون تصاريح، الأمر الذي أثار تساؤل الجمهور عن كيفية حدوثه رغم أن ميناء دمياط لا يمكن انطلاق أي مركب صيد من رصيفها دون الكشف عن التصاريح أولاً، فكيف لم يتم القبض عليها أو رصد المركب؟ بل كيف أنها قامت بدهان المركب في نصف يوم فقط؟ ثم خرجت بها في المياه وهي لم تجف بشكل كافي؟ وكان أكثر ما أثار سخرية رواد مواقع التواصل الاجتماعي هو عدم وجود خط سكة حديد من دمياط لبور سعيد كما حدث في المسلسل ووصلت حنان بالقطار لبور سعيد من محطة دمياط.
وأكد اهالي دمياط عبر وسائل التواصل الاجتماعي أنهم يتسمون بالرجولة والنخوة ولا يمكن أبداً أن يطرد أحدهم امرأة مع طفليها الصغار في الشارع بمنتصف الليل، وأن هذا مشهد مبالغ فيه، كما لا يمكن لامرأة ان تخرج للصيد مع الرجال والبحارة، فلم ينتظر المشاهد من امرأة قليلة الحيلة تعاني من ظلم القانون ان تكون هي ايضاً مخترقة للقانون ومنتهكة لقواعد البشرية، وعادات وتقاليد المجتمع.
لكن ورغم هذه السلبيات الواضحة في العمل، والتي افسدت الحبكة وجعلت الكثير من الأحداث غير مقنعة، إلا أنه حقق نجاحاً باهراً، لعدة أسباب أبرزها:
طزاجة الفكرة الجوهرية وجمال المغامرة التي خاضتها البطلة والتي تعتبر جديدة على الدراما المصرية، وهي اضطرار امرأة إلى سرقة مركب صيد، كذلك الرصد الصادق للمرارات المختلفة التى تتعرض لها زوجة فقدت زوجها ولديها طفلان.
الاطلاع على عالم البحر وأسراره وخباياه، فضلاً عن صراعات تجار السمك ومكائد بعضهم من الكبار ضد الصيادين الصغار، وهو عالم يغرى بالمتابعة إذا تم تقديمه بشكل جيد، وهو ما تحقق بامتياز، خاصةً وأنها المرة الأولى التي تخوض فيها الدراما المصرية في خبايا هذا المجال، ما جعل الطرح براقاً وجذاباً للجمهور والمشاهدين.
الإيقاع المنضبط والرتم السريع هما السبب الرابع فى نجاح «تحت الوصاية»، فلا ترهل فى المشاهد، ولا برودة فى الأحداث، رغم تعدد الخيوط الدرامية، لكنها متضافرة ببراعة لافتة، إضافة إلى البناء المحكم الذى ينهض على الاستثمار الحصيف لتقنيات الدراما (فلاش باك/ أماكن حقيقية طازجة «دمياط»/ أوقات مختلفة للتصوير) وغيرها، كذلك خلو المسلسل من ألفاظ بذيئة وعبارات سوقية مبتذلة.
التصوير المدهش الذى حققه بنجاح مدير التصوير (بيشوي روزفلت)، فقد تنقل برشاقة فى الأماكن الحقيقية من حوارى وأزقة وشقق ضيقة إلى قطارات وميكروباصات ومدارس ومستشفيات وشواطئ ونادي شعبي وغيرها، أما المشاهد داخل المركب بمستوياته وسلالمه وسطحه وعمقه وغرفه الضيقة فجاءت بالغة الروعة والنضارة، رغم الزوايا الضيقة التي انحشر فيها الممثلون.
الممثلون، وما أدراك منْ الممثلون؟ إنهم كوكبة معتبرة من خيرة الفنانين، ربما ليسوا نجوم صف أول وربما هذا سر صدقهم أنهم ليسوا وجوهاً محروقة، بل وجوهاً طبيعية لم تفسدها عمليات التجميل او عوامل الزمن، لكنهم نجوم اجادوا واتقنوا ، فحالفهم النجاح وتقدموا للصف الأول عن جدارة و استحقاق، تتقدمهم البارعة منى زكي والتي اعترفت بوجود مدرب تمثيل معها ساعدها على تقمص الدور والدخول في الشخصية، ولو كانت هذه هي النتيجة المذهلة في الأداء التي سنحصل عليها بوجود مدرب تمثيل مع أبطال العمل، فنحن نطالب بوجوده في كل الأعمال الفنية، لربما سينتهي عصر المهازل الفنية التي نراها.
منى زكي التى قُدّت من مشاعر فياضة وملامح أرملة مصرية بسيطة منهكة قادرة على التعبير بذكاء وسخاء عن أية خلجة تراود نفسها. أما هؤلاء العازفون ببراعة على إيقاع فنون التقمص، فهم الأساتذة: دياب ورشدى الشامي وأحمد خالد صالح وخالد كمال ومحمد عبدالعظيم وعلى صبحى وأحمد عبدالحميد ولبنى ونس ومها نصار وماجدة منير وعفاف رشاد وحمدى هيكل وثراء جبيل ونهى عابدين وعلى الطيب والأستاذ الكبير جميل برسوم، والصبي الموهوب عمر شريف والطفلة فرح.
فالجميع كان في مكانه الصحيح ولا يمكنك أبداً أن تصدقهم في أدوار آخرى من شدة تقمصهم لهذه الشخصيات ببراعة لافتة، وكأنهم بالفعل صيادون وبحارة وتجار وغيره.
في النهاية نقدم الشكر للمخرج محمد شاكر خضير القائد البارع الذي أدار كل هذا الفريق واختار افضل أماكن التصوير وافضل الزوايا واستطاع صناعة عمل فني ممتاز من قصة مبتورة بها الكثير من الفراغات.
تقييم الناقدة ★★★★
#مسلسل_تحت_الوصاية
Comments